التعديلات على "الضمان الاجتماعي".. هل تنسجم مع متطلبات سوق العمل؟

مشاركة

مؤاب - لا تنفك مؤسسة الضمان الاجتماعي عن إجراء التعديلات تلو الأخرى في قانونها، بما يتناسب مع المستجدات والمتطلبات التي تتناسب مع سوق العمل وظروفه، إلى جانب احتياجات المشتركين وأصحاب العمل.

وفي قراءة لأهم التعديلات التي حدثت على القانون خلال السنوات السابقة، تطرق خبراء في العمل،  لأبرز تلك التعديلات وأهميتها وما لها من تأثير على المشتركين وأصحاب العمل.
رئيس بيت العمال حمادة أبو نجمة قال "إن كثرة التعديلات على قانون الضمان الاجتماعي، تعني تراجعا في حماية المشتركين وتحويل منظومة الضمان الاجتماعي لمجرد صناديق تستهدف زيادة إيراداتها كهدف أساسي ولو كان ذلك على حساب المشتركين، بدلا من أن يكون هدفها الرئيسي توفير حمايات أفضل للمشتركين وتغطية كلفها من مصادر متنوعة، ومنها مساهمة الموازنة العامة بمخصصات حماية اجتماعية تمول من إيرادات الضرائب، على اعتبار أن الحمايات الاجتماعية تعد من أهم واجبات الدولة تجاه مواطنيها".
وبين أبو نجمة، أن أول قانون للضمان الاجتماعي كان العام 1978 وعدل العام 1979، ثم جاء قانون الضمان الاجتماعي المؤقت رقم 7 لسنة 2010، وكانت سمته الرئيسية استحداث تأمين التعطل، وهو تأمين ادخاري يمول من مدخرات العمال أنفسهم ولا يرقى إلى مفهوم تأمين البطالة وفق المعايير الدولية، وكذلك استحداث تأمين الأمومة الذي اقتصر على دفع بدل إجازة الأمومة، من دون شمول تكاليف الحمل والولادة والرضاعة والحضانة، وهما تأمينان خلقا فائضا ماليا كبيرا نتيجة لمحدودية أوجه الإنفاق منهما، ما شجع على استخدام الفائض فيما بعد لغايات لا علاقة لها بفلسفة الضمان الاجتماعي كالتعليم والصحة. 
وأضاف "ثم جاء القانون رقم 19 لسنة 2001، وتم إلحاق موظفي القطاع العام والعسكريين والمدنيين بالضمان للتخلص من تعدد أنظمة التقاعد التي تمثل عبئا على الميزانية العامة، لكنه أثر سلبا على مستقبل المركز المالي للضمان نتيجة الأعباء التي تحملتها صناديق التأمينات بدخول مشتركين جدد بأعداد كبيرة، تم إحالة أعداد كبيرة منهم بمجرد ضمهم للضمان الاجتماعي سواء بنظام تقاعد الشيخوخة أو التقاعد المبكر، في سياسة استهدفت تحميل الضمان الاجتماعي أعباء توجهات ترشيق القطاع الحكومي وخصخصة العديد من شركات ومؤسسات القطاع العام وإنهاء خدمات آلاف الموظفين وإحالتهم إلى التقاعد".
وتابع "ونرى أن معظم التعديلات التي تمت على قانون الضمان بعد ذلك كانت تستهدف التصدي للأزمة التي تسبب بها قانون العام 2001 وآثاره السلبية على الاستدامة المالية للضمان، وذلك بمحاولة زيادة الإيرادات وتقليل الإنفاق، وأسهمت التعديلات، برفع أعداد من يتلقون تعويض الدفعة الواحدة الذي يتسبب بخروج المشترك من الضمان نهائيا، بتقاضي جزء بسيط وغير عادل من مستحقاته دفعة واحدة بدلا من الراتب التقاعدي، وهذا ما وفر على الضمان كثيرا من الأعباء خاصة في الرواتب التقاعدية، وهو ما أسهم في تحسين المركز المالي للضمان ولكن على حساب المشتركين وحقوقهم".
ولفت إلى أن قانون الضمان الاجتماعي رقم 1 لسنة 2014 رفع نسبة الاشتراكات الشهرية على العامل وصاحب العمل، من 14.5 % إلى 21.5 %، ورفع سن التقاعد المبكر، الأمر الذي أضر بأصحاب الأجور المتدنية، نتيجة تهرب الكثير من أصحاب العمل من شمول عمالهم بالضمان لارتفاع كلفته، ما أدى إلى ضعف إيرادات الضمان وزيادة مديونية الضمان الاجتماعي على الشركات.
وبين أبو نجمة أنه جرى على قانون 2014 تعديلان شمل كل منهما 15 مادة، في العام 2019 وفي العام 2023، فجاء تعديل العام 2019 برفع سن التقاعد المبكر لـ55 عاما للذكور و52 عاما للإناث، مما عمق الضرر بأصحاب الأجور المنخفضة.
ولفت إلى أنه كما كان للإجراءات التي فرضتها الدولة على مؤسسة الضمان في جائحة كورونا بموجب قانون الدفاع تأثير سلبي على المركز المالي للمؤسسة نتيجة تحميلها مسؤولية التصدي لآثار الجاحة نيابة عن الدولة، وتولي المؤسسة الإنفاق من أموال الضمان على أوجه ليست من مهامها ومسؤولياتها.
وقال أبو نجمة "إنه على الرغم من عدم وضوح طبيعة التعديلات الجديدة المتوقع العمل عليها، إلا أن هناك بعض المؤشرات على وجود نية لعكس بعض التوجهات التي تستجيب لمطالب صندوق النقد الدولي بفرض ما يسمى بمرونة سوق العمل الذي يستهدف أن تسهل تشريعات العمل والضمان الاجتماعي عمليات إنهاء الخدمات من دون عقبات، وهو ما يتطلب إجراء عدد من التعديلات على قانوني العمل والضمان الاجتماعي بهذا الاتجاه، وهو أمر إن تم فلا يعتقد أنه في صالح تطوير علاقات العمل، لا بل سيتسبب في توترات وإرباك وزيادة النزاعات وزيادة معدلات البطالة".
خبير التأمينات والحماية الاجتماعية موسى الصبيحي، بين أنه بالتأكيد كان هناك جملة من الإصلاحات المهمة جدا والتعديلات الواسعة بشكل كبير على "قانون 2014"، ومن أبرز تلك التعديلات كان البدء بإلزامية شمول أصحاب العمل والعاملين لحسابهم الخاص والشركاء المتضامنين العاملين في منشآتهم. 
وبين أن هذه المرحلة الجديدة لأول مرة تبدأها مؤسسة الضمان، وهي التقاعد المبكر للأشخاص الذين يعملون بالمهن الخطرة، فضلا عن إعادة العمل بموضوع "المبكر"، لأن القانون المؤقت للعام 2010 ألغى التقاعد المبكر بالكامل.
كما شملت التعديلات أمرا مهما، بوضع سقف للأجر الخاضع للضمان، بمعنى أنه لا يجوز أن يشترك على أكثر من 3000 دينار، وأن السقف هذا أيضا مرتبط بالتضخم، بمعنى أنه يزيد سنويا بنسبة التضخم نفسها المسجلة في المملكة عن عام سابق.
وبحسب الصبيحي، تهدف التعديلات أعلاه للحد من الرواتب التقاعدية الباهظة مستقبلا، كما رفع القانون بعد أن أعاد العمل بالتقاعد المبكر الاشتراكات عن تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة. 
وأوضح أن الاشتراكات عن تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة أصبحت
17.5 % بعد أن كانت 14.5 %، بحيث يتحمل صاحب العمل 11 % والعامل 6.5 %.
ومن أبرز القضايا الأخرى السماح بالجمع ما بين جزء من راتب التقاعد المبكر والأجر من العمل في حال عودة صاحب الراتب التقاعدي المبكر للعمل، بعمر دون سن الـ60 للذكور أو دون سن الـ55 للإناث. 
ولفت إلى أن تأمين التعطل مختلف عليه، ويسمح للمؤمن عليه بسحب جزء رصيده الادخاري لغايات التعليم والعلاج وليس فقط لغايات التعطل عن العمل، وهذا خروج وانحراف عن هدف هذا التأمين.
بدوره، قال مدير مركر الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية أحمد عوض "شهد قانون الضمان الاجتماعي في الأردن، خلال السنوات القليلة الماضية، تعديلات تراجعية أثرت على الحمايات الأساسية التي تقدمها منظومة الضمان الاجتماعي".
وأضاف عوض "أنه ومع الإعلان عن إجراء تعديلات إضافية على القانون خلال الأشهر المقبلة، نؤكد ضرورة الحيلولة دون المساس بالحمايات الأساسية"، مطالبا بالعودة عن التعديلات التراجعية السابقة التي شملت تعديل المادة (4) في العام 2019 لإضافة فقرة تسمح باستثناء بعض العاملين من الشمول بتأمين الشيخوخة في المنشآت الصغيرة، وتعديلات العام 2023 التي ألغت الفقرة (د) من المادة (4) وأتاحت للقطاع الخاص تخفيض نسبة الاشتراكات الشهرية لتأمين الشيخوخة والعجز والوفاة، وربطت دفع الحكومة لكامل اشتراكات العاملين العسكريين بمعدلات النمو الاقتصادي.
وشدد على أن تحفيز النمو الاقتصادي والاستثمار يجب ألا يكون على حساب الحمايات الاجتماعية، ويمكن للحكومة تقديم حوافز للقطاع الخاص عبر الإعفاءات الضريبية والجمركية.
ورأى أن منظومة الضمان الاجتماعي في الأردن تعد من أهم إنجازات الدولة، ويجب الحفاظ عليها وتعزيزها لتوسيع الحمايات والشمول، إذ ما يزال نصف القوى العاملة في الأردن غير مغطى بهذه الحمايات.

الكلمات المفتاحية