متى تصبح التكنولوجيا جزءا من العملية التعليمية في مدارسنا؟

مشاركة

 في ظل التحول الرقمي المتسارع والتطورات التكنولوجية المتلاحقة، يتساءل تربويون عن علاقة هذا التحول بالتعليم، تحديدا، وهل أضحى تعزير استخدام التكنولوجيا في التعليم ضرورة ملحة لتحقيق تعليم فعال وشامل؟

وكانت وزارة التربية والتعليم أجرت دراسة بعنوان "درجة رضا الطلبة عن الخدمات المقدمة لهم من الوزارة" للعام الدراسي 2023/ 2024، مستهدفةً طلبة الصفوف من (4-12) في المدارس الحكومية.

وأظهرت نتائج الدراسة المنشورة على موقع الوزارة الإلكتروني، مؤخرا، أن متوسط درجة رضا الطلبة عن الخدمات المقدمة بلغ 77.33 %، فيما سجلت الدراسة أعلى درجة رضا في مجال الإدارة المدرسية بنسبة 81.95 %، بينما كانت أدنى درجة رضا في مجال تكنولوجيا التعليم بنسبة 70.35 %.
وأوصت بتحسين البنية التحتية التكنولوجية في المدارس، وتعزيز استخدام تكنولوجيا التعليم.
وفي هذا الصدد، قال مدير إدارة التخطيط والبحث التربوي في وزارة التربية والتعليم سابقا د.محمد أبو غزلة، إن تكنولوجيا التعليم وأدواتها تعد من أهم العوامل الأساسية التي تسهم في تطوير العملية التعليمية، وتوسيع آفاق التعلم لدى المعلمين والطلبة؛ لأنها تعزز تجربة التعلم وتجعلها أكثر تفاعلية من خلال تمكين الطلبة من المهارات التي تساعدهم في الوصول إلى مصادر المعرفة المختلفة في أي وقت ومكان، ما يعزز من قدرتهم على التعلم الذاتي وعلى التواصل بينهم وبين المعلمين، واستكشاف الموضوعات والمفاهيم  بشكل أعمق.  
كما تسهم، بحسب أبو غزلة، في تنمية مهارات القرن الواحد والعشرين لدى الطلاب والمعلمين مثل التفكير النقدي، وحل المشكلات، ومهارات البحث وتحليل البيانات، كما تنمي القدرة لديهم على استخدام الأدوات الرقمية، والتعلم الإلكتروني، والذكاء الاصطناعي في أشكال التعلم المختلفة، كالتعلم عن بعد، والتعلم المتمازج والهجين، وحتى التعلم الوجاهي، وبالتالي توفير حلول تعلم مخصصة تناسب احتياجات الطلبة المتنوعة في العملية التعليمية.
بالإضافة إلى تنمية المهارات الشخصية لديهم وزيادة دافعيتهم ورضاهم عن التعلم المتوافق مع تطلعاتهم، وهذا بدوره ينعكس على جاهزيتهم لمتطلبات الوظائف المستقبلية، والتي تتسم بسرعة التغيير والابتكار المستمر، وعليه فإن توفير خدمات التكنولوجيا وأدواتها في المدارس إذا توفرت فسيبعث ذلك على الرضا لدى الطلبة، كونها تحسن من تعلمهم، وتمكنهم من الحصول على المعرفة المرتبطة باحتياجاتهم المستقبلية، وفق أبو غزلة.
وأضاف، إن دراسة رضا الطلبة عن الخدمات التي تقدمها وزارة التربية والتعليم تم تطبيقها في (42) مديرية تربية وتعليم وبعدد 490090 طالبا وطالبة، واشتملت على 5 مجالات هي التدريس والإدارة المدرسية والبيئة المدرسية والفاقد التعليمي ومجال تكنولوجيا التعليم، وللوقوف على النتائج التي توصلت إليها الدراسة، نجد أن مجال تكنولوجيا التعليم حقق أدنى نسبة رضا بواقع 70.35 %، وهي أدنى نسبة في المجالات الخمسة على الرغم من أهميته.
ودعا القائمين على النظام التعليمي إلى توجيه سياسات وإستراتيجيات توظيف التكنولوجيا في التعليم، والعمل على توفير بيئة تعليمية تواكب التطورات التكنولوجية الحديثة من خلال توفير المنصات الرقمية والمحتوى التعليمي الإلكتروني، وتأهيل المعلمين وتدريبهم على استخدام الأدوات التكنولوجية في الصفوف الدراسية، بالإضافة إلى دعم المدارس بتوفير تجهيزات تقنية حديثة لتسهيل عملية التعلم عن بعد والتعليم المدمج. 
وأكد أبو غزلة على أهمية تطوير خطط المناهج الدراسية بالتعاون مع المركز الوطني للمناهج بما يتناسب مع التوجهات التكنولوجية الحديثة واحتياجات سوق العمل، كما على  مديريات التربية والتعليم وضع الخطط التنفيذية لسياسات الوزارة، وتقديم الدعم الفني والإداري للمدارس، ومتابعة التدريب المستمر للمعلمين والكوادر التعليمية على استخدام الأدوات التكنولوجية الحديثة، ومتابعة تنفيذ البرامج التكنولوجية وتقييم فعاليتها داخل المدارس.
ودعا الإدارات المدرسية إلى تهيئة بيئة تعليمية تحفز على استخدام التكنولوجيا في الدروس والمواقف التعليمية، والتنسيق مع المعنيين لتوفير الأجهزة التكنولوجية مثل الحواسيب اللوحية والشاشات التفاعلية، بالإضافة إلى تنظيم ورش عمل تدريبية للطلاب والمعلمين على حد سواء، لضمان تكامل التكنولوجيا في العملية التعليمية، وتحفيزهم على استخدامها بفعالية.
وأوضح أن المعلم هو العنصر الفاعل في نجاح توظيف التكنولوجيا في التعليم، فعليه السعي المستمر لامتلاك المهارات للقدرة على دمج الأدوات التكنولوجية في خططه التعليمية، واستخدام منصات التعليم الرقمية، وتقديم الدروس التفاعلية، وإعداد الأنشطة التي تعزز من مهارات الطلاب في استخدام التكنولوجيا، فضلا عن تمكين الطلبة من مهارات التفكير النقدي والإبداعي، والاستمرار بمتابعة التطورات التكنولوجية المستمرة وتطبيقها بما يتناسب مع احتياجات الطلبة.
بدوره، أكد الخبير التربوي فيصل تايه أن استخدام التكنولوجيا في التعليم أصبح مطلبا حتميا، خاصة وأننا في القرن الحادي والعشرين، وبالتالي أصبحت التكنولوجيا مهمة ومحيطة بنا من كل اتجاه، ولذا أصبح من الضروري أن يكون للتكنولوجيا دور في عملية التعليم أيضًا، نظرا لتأثيرها الإيجابي الكبير، كما أن لها أثرا واضحا على المعلم والمتعلم على السواء.
وقال تايه: "علينا أن نعي أننا في عصر التحول الرقمي في التعليم، وأن نظامنا التعليمي بحاجة لتوديع التعليم التقليدي بمكوناته الكلاسيكية المعروفة، بعد أن صرنا نشهد ميلاداً قوياً لنظام تعليمي رقمي تقني حديث، ومن هنا يجب علينا معرفة وجه التكنولوجيا التي نمتلكها، والتي تمكننا من التفاعل مع العملية التعليمية".
وأشار إلى الحاجة لجهات تربوية متخصصة في هذا النوع من العمل "الإلكتروني" تعي تماما حجم العمل ومتطلباته واحتياجاته وطريقة تنفيذه بشكل يرقى إلى المستوى المطلوب، فما يتطلبه التعليم الإلكتروني بكل أشكالة وأنواعه هي خبرات تراكمية طويلة الأمد يبنى عليها، إضافة إلى أنها حصيلة تجارب عديدة لهذا النوع من التعليم على مدار عدة سنوات، على غير ما يعرض حالياً من مواد تعليمية هدفها التمكين التعلمي الذي يحتاج إلى إنتاج المحتوى وإلى الاتصال والتفاعل.
وبين "أننا الآن وبعد أن قطعنا شوطا جيدا في تطبيق التكنولوجيا في مدارسنا، يمكن توضيح أن دور التكنولوجيا في التعليم جعل المعلم يمتلك مهارات عالية في التدريس، حيث أصبح يستخدم تقنيات حديثة وجديدة في عملية التعليم والتعلم، وهذه التقنيات تتمثل بالأجهزة اللوحية والكاميرات الرقمية وأجهزة الكمبيوتر، وهو ما ساعد في زيادة قدرة الطالب أو المتعلم على التعامل مع التكنولوجيا بشكل أفضل".
وأشار إلى أن تعزيز استخدام التكنولوجيا يعد أمرا مهما للغاية، كونه جعل عملية التعلم ممتعة أكثر للطلبة، وزادت دافعيتهم للتعلم، لأن الدروس التقليدية أصبحت بالنسبة لهم مملة على عكس الدروس التي تستخدم فيها التقنيات الحديثة والأجهزة اللوحية والفيديو، كما زادت التكنولوجيا قدرتهم على الحصول على كمية كبيرة من المعلومات المختلفة والمتنوعة.
وأوضح أن عملية التعليم أصبحت أكثر سهولة باستخدم التكنولوجيا، إذ تمكن المعلم من توفير وقته وجهده، وتساعده لرفع إنتاجيته، وإعطائه فترة أطول من الوقت للتركيز على الطالب، كما تمكن الطلبة من تصور المفاهيم المجردة التي كان من الصعب عليهم فهمها سابقا.
وشدد على أهمية تعزيز استخدام التكنولوجيا لإعداد جيل يملك القدرة على التعامل معها بشكل صحيح وسليم في كافة أمور الحياة الأخرى، وبالتالي سيتمكن من تحقيق  مستقبل أفضل، وسيسهل عليه التعامل مع أي تكنولوجيا حديثة.
من ناحيته، قال الخبير التربوي عايش النوايسة، إن تعزيز استخدام التكنولوجيا في التعليم يعد خطوة جوهرية نحو تحسين جودة العملية التعليمية.
وبين النوايسة أن وزارة التربية والتعليم بنت إستراتيجية للتحول الرقمي في التعليم تعمل على تنفيذها، في ظل ربطها بالخطة الإستراتيجية والتحولات المرتبطة بتطوير الموارد البشرية، وما يدفعها إلى ذلك ما شهده العالم في النصف الأخير من القرن العشرين من ثورة هائلة في العلوم والاختراعات العلمية والتكنولوجية، ومع هذا النمو المتسارع للمعرفة العلمية والتقدم التكنولوجي والتقني، ازداد الاهتمام بتطوير عملية التعلم والتعليم من خلال المناهج الدراسية والأدوات التعليمية.
وأضاف أن التطور السريع في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ساعد في إحداث نقلة حضارية كبيرة في وقتنا الحاضر، ورافق ذلك تطور كبير في المنظومة التربوية؛ إذ تغيرت الأساليب والأدوات والوسائل المستخدمة في العملية التعليمية وتعددت مصادر المعرفة؛ ولذلك أصبح من الضروري أن تكون هناك مراجعة مستمرة للمناهج الدراسية، للتأكد من مواكبتها للتغيرات والمستجدات التي تطرأ في الميدان التربوي. 
وأكد أن تعزيز استخدام التكنولوجيا في التعليم له تأثير إيجابي ملموس على جودة العملية التعليمية، حيث تساهم التكنولوجيا في جعل التعليم أكثر تفاعلاً وشمولية من خلال توفير أدوات وموارد تعليمية حديثة تسهل عملية التعلم.
واعتبر أن الأدوات والتقنيات الحديثة تمكن المعلمين من تقديم المحتوى بطرق مبتكرة وجذابة، مثل العروض التفاعلية والفيديوهات التعليمية والمحاكاة الافتراضية، ما يجعل الدروس أكثر إثارة وفهمًا، مبينا أن التكنولوجيا أضحت تؤدي دورا محوريا وحيويا في الارتقاء بالعملية التعليمية، وكلما زاد توظيف التكنولوجيا في التعليم أصبح أكثر متعة وجاذبية للطلبة.
وأشار إلى "أننا مطالبون اليوم إجباريا بدمج التقنيات التكنولوجية الحديثة في التعليم، باعتبارها أداة رئيسة في عملية التعلم"، موضحا أن الأدوات الرقمية والتقنيات التكنولوجية أصبحت جزءا أساسيا من مهارات الحياة.
وشدد على ضرورة بناء قدرات المعلم في توظيف التكنولوجيا، وجعلها مساعدا له بتنفيذ العملية التعليمية، عبر انخراطه في دورات تدريبية تمكنه من تطويعها، وتزويده بكل ما هو جديد في مجالها.

الكلمات المفتاحية