مؤاب - عزّز خبراء في قطاع المياه أهمية دعوات دولية نحو تركيز محادثات مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (كوب 29) المنعقدة أعماله حاليا في العاصمة الأذريّة باكو، على تمويل أكبر بشأن المياه أسوة بالمناخ، مؤكدين أن المشاركة الأردنية في المؤتمر، ارتكزت على أولوية إدراج أمن المياه في أجندة وإستراتيجية التكيّف مع حدة تغيّر المناخ.
وفيما أوصى تقرير صدر مؤخرا عن المعهد الدولي للمياه في ستوكهولم (سيوي)، وحصلت “الغد” على نسخة منه، الحاجة إلى زيادة الإرادة السياسية فيما يتعلق بالمياه والعمل المناخي، توازيا وتوقعات إطلاق إعلان بشأن المياه من أجل العمل المناخي، أكد الخبراء، في تصريحات لـ”الغد”، ارتباط كل من أمن المياه وتغيّر المناخ ارتباطا وثيقا.
وفي الوقت الذي أشار فيه التقرير إلى أهمية ترسيخ إدارة المياه الجيدة كحل لتحديات المناخ، جنبا إلى جنب مع مناقشة قضايا حلول المياه العذبة لتمكين إجراءات التخفيف من آثار المناخ الفعالة والمرنة، أكد الناطق الرسمي باسم وزارة المياه والري عمر سلامة، في تصريحات لـ”الغد”، على الدور الكبير الذي يساهم فيه تعزيز التمويل لقطاع المياه في الأردن من أجل مواجهة تحديات القطاع المائي.
وقال سلامة إن تعزيز التمويل اللازم لقطاع المياه يساهم أيضا في دعم الجهود المبذولة في مجال مواجهة آثار التغير المناخي، وتعزيز جهود زيادة الاعتماد على تمويل الطاقة المتجددة كالرياح أو الطاقة الشمسية، بالإضافة إلى تمكين المواطنين في جميع المناطق من التكيف مع آثار تغير المناخ.
وأشار إلى أهمية دوره أيضا في تعزيز الأمن الغذائي، وزيادة الإنتاج، وإدخال البذور المقاومة للمناخ، وتمكين المزارعين، من مواجهة آثار الجفاف وزيادة إنتاج الغذاء وتحسين مستوياتهم الاجتماعية.
من جانبهم، نبّه المختصون من تحديات انعكاسات الظواهر المناخية المتغيّرة بكافة أشكالها، والمؤدية، وفق مؤشرات انخفاض كميات المتوفرة، لانخفاض حصة الفرد المتوقّعة من المياه، إلى 46 مترا مكعبا سنوياً بحلول العام 2040.
وفي السياق ذاته، أكد الأمين العام الأسبق لسلطة المياه إياد الدحيات، أن كلا من أمن المياه وتغيّر المناخ يرتبطان ارتباطا وثيقا، محذرا من انعكاسات الظواهر المناخية المتغيّرة، سواء ارتفاع درجات الحرارة بالأردن، إلى تكرار ظاهرة الجفاف، وتدنّي الهطول المطري بنسبة 13.6 % عن المعدّل الحالي البالغ 95 ملم/ العام.
وقال إنه من المتوقع أن تؤدي عوامل الظواهر المناخية لانخفاض تغذية وتجدّد المياه جوفياً بنسبة %15، أي ما يعادل 40 مليون متر مكعب سنويا، وتناقص كميات جريانها السطحي بنسبة 15 %، أي ما يعادل 60 مليون متر مكعب سنويا، لتصبح حصة الفرد المتوقّعة من المياه 46 مترا مكعبا سنويا بحلول العام 2040.
وأضاف الدحيات أن قطاع المياه من أهم القطاعات المشمولة بالخطط المناخية الوطنية، سواء أكانت السياسة الوطنية للتغيّر المناخي للأعوام 2022 - 2050، وخطة المساهمات المحددة الوطنية للعام 2021، والخطة الوطنية للتكيّف مع المناخ وخطة النمو الأخضر، حيث بلغت قيمة التمويل المطلوبة لمشاريع التخفيف من الانبعاثات أو التكيّف مع المناخ لقطاع المياه ما يتجاوز 3 مليارات دولار، وتشكّل ما نسبته 33 % من إجمالي الاحتياجات التمويلية في هذه الخطط المذكورة.
وفي هذا الإطار، دعا الدحيات إلى ضرورة المضيّ قدما في البحث عن مصادر التمويل المناخية من الصناديق المختلفة للمساهمة في حشد تمويل القطاع الخاص لتنفيذ الجزء الأكبر من هذه المشاريع، حيث لا يشكّل تمويل الموازنة العامة في هذه الخطط لكافة القطاعات أكثر من 565 مليون دولار، بالإضافة إلى تعزيز البيئة الداعمة لتنفيذ مشاريع التغير المناخي بحيث ينتج عنه برنامج أولويات لمشاريع التخفيف أو التكيّف المناخي بالشراكة مع القطاع الخاص.
وذلك إلى جانب تطوير الأدوات المالية والحوافز التي تساهم في تعزيز التمويل المتوفر من البنوك الأردنية؛ للمساهمة في الأمن المائي المناخي وبمردود مالي معقول، لكن ذو أثر بيئي مناخي مهم.
وأضاف أن الأردن شارك في الدورة 29 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 20)، وهو يحمل أولوية إدراج أمن المياه في أجندة وإستراتيجية التكيّف مع حدة تغيّر المناخ.
وفي هذا السياق، أوضح الدحيات أن تقريرا صدر حديثا عن صندوق النقد الدولي (IMF)، بعنوان “المخاطر الاقتصادية والمالية المرتبطة بالطبيعة وانعكاسها على السياسات العامة”، الذي يشير إلى أن المياه من أهم الموارد الطبيعية المتأثرة بالتغيير المناخي، ومُدخل مهم وأساسي لسائر النشاطات الاقتصادية الاجتماعية ولتعزيز جودة الحياة.
كما “ستترتّب على ندرتها، عواقب اقتصادية كبيرة عالمياً في قطاعات الزراعة والصناعة والتكنولوجيا، تؤدي إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسب تتراوح بين 7 % إلى 16 % وتعطيل الدورة الاقتصادية وعجلة الإنتاج”، وفق الدحيات.
وأشار إلى امتياز مشاريع المياه بتداخل مع قطاعات أخرى كالطاقة والزراعة، بالشكل الذي يعزز من منعة هذه القطاعات معاً وبشكل مضاعف، مستعرضا مثالا حول دور تنفيذ محطات تنقية صرف صحي في المساهمة بتعزيز الصحة العامة في المدن الرئيسة في المحافظات، بالإضافة إلى إمكانية المحطات الاستفادة من الحمأة الناتجة عن التنقية في توليد الطاقة المتجددة من غاز الميثان وتقليل الاعتماد على الطاقة الكهربائية، وبالتالي تخفيف انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون.
كما تعمل المياه العادمة المعالجة الناتجة، على تعزيز كميات مياه الري المستخدمة في الزراعات المروية في وادي الأردن، بدلاً من المياه العذبة التي يمكن إعادة ضخها لتعزيز حصة الفرد من المياه، بحسبه.
من ناحيتها، أكدت الأستاذة في كلية الهندسة وإدارة الموارد الطبيعية في الجامعة الألمانية الأردنية د. منى هندية، أن المياه والمناخ هما قضية واحدة ذات أبعاد متعددة، مشيرة إلى ارتباط المياه بشكل وثيق بالمناخ، سيما وأن التغيرات المناخية تؤثر بشكل مباشر على مصادر المياه، سواء من خلال تقليل معدلات الهطول أو ازدياد الجفاف.
ونوهت هندية بأنه رغم هذا الترابط، “فإن تمويل قضايا المياه ما يزال دون المستوى المطلوب مقارنة بالتمويل الضخم الذي يتم تخصيصه لقضايا المناخ”، مبدية قلقها إزاء “النقص في التمويل والذي يؤدي بدوره إلى تعثر الكثير من المشاريع المائية التي يمكن أن تعزز مناعة المجتمعات ضد تبعات تغير المناخ”.
وقالت “إنه مع تفاقم أزمة المياه العالمية، أصبح من الضروري إيجاد آليات تمويل مبتكرة لدعم مشاريع المياه المستدامة”، لافتة في هذا السياق إلى أهمية أن تصبح المياه “جزءا أساسيا من محادثات المناخ العالمية، مع تخصيص تمويل مشابه لما يتم تخصيصه لخفض انبعاثات الكربون، فضلا عن إنشاء صناديق دولية تستهدف مشاريع المياه في الدول الأكثر تأثراً بتغير المناخ، مثل الأردن”.
ودعت إلى ضرورة بناء شراكات دولية لتعزيز التعاون الدولي بين الحكومات والمنظمات الدولية والقطاع الخاص؛ لتمويل مشاريع مبتكرة تعالج مشاكل المياه، وتدعم التكيف المناخي.
وقالت إن تعزيز التمويل لقضايا المياه، ليس فقط كاستجابة للتحديات البيئية، بل كحل إستراتيجي لمعالجة تبعات تغير المناخ، مشيرة إلى أهمية هذا التمويل ودور الإدارة الجيدة للمياه في مواجهة هذه التحديات، مع التركيز على التجربة الأردنية كنموذج في المنطقة، كونه واحدا من أشد الدول شحا بالمياه على مستوى العالم.
وبينت هندية أن التحديات تتفاقم بفعل تغير المناخ والنمو السكاني وزيادة تدفق اللاجئين، وتحديات إيجاد التمويل للعديد من المشاريع في قطاع المياه، منوهة بأنه رغم هذه التحديات، “يمكن للأردن أن يبرز كدولة ريادية في تقديم حلول مبتكرة لإدارة المياه”.
وتابعت: “وبما أن للأردن دورا رياديا في المؤتمرات الدولية، فإنه يستطيع الدعوة لإطار عالمي للمياه والمناخ، والعمل على توجيه التمويل والسياسات نحو مشاريع المياه المستدامة، وتسليط الضوء على التحديات المحلية وعرض تجاربه كمثال حي للدول التي تواجه تحديات مشابهة، وقيادة مبادرات إقليمية لتعزيز الأمن المائي والتكيف مع المناخ”.
وشددت على ضرورة إدراك أن الأمن المائي هو أساس الأمن البيئي والاجتماعي والاقتصادي، في عالم تتزايد فيه الضغوط المناخية، وتعزيز التمويل لقضايا المياه، وترسيخ الإدارة الجيدة، باعتبارها حجر الأساس لبناء مجتمعات قادرة على مواجهة تحديات المناخ.