مؤاب - وسط تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران، يتساءل كثيرون عمّا إذا كان هذا التوتر يخدم غرضًا استراتيجيًا يتجاوز حدوده المباشرة، ألا وهو صرف الأنظار عن المجازر والانتهاكات التي لا تتوقف في قطاع غزة. فبينما تتجه أنظار العالم إلى احتمالات الحرب الإقليمية، تُدفن أصوات الضحايا في غزة تحت ركام التجاهل الإعلامي، وتُطمس المأساة ضمن صراعات أكبر.
السياق الزمني والوظيفة الإعلامية
منذ تصاعد التهديدات المتبادلة بين إسرائيل وإيران بعد استهداف قنصليتها في دمشق، لوحظ أن التغطية الإعلامية العالمية—وخاصة الغربية—تحولت بشكل جزئي أو كلي إلى التركيز على "المواجهة الإقليمية الكبرى"، وتم تهميش أو تقليص التغطية المتعلقة بالكارثة الإنسانية المستمرة في غزة. هذا النمط من التغطية لا يأتي دائمًا بمحض الصدفة، بل غالبًا ما يكون جزءًا من آلية "تحويل السردية"، حيث يتم توجيه انتباه الرأي العام إلى صراع إقليمي أكثر دراماتيكية، يُنظر إليه باعتباره تهديدًا أكبر لمصالح الغرب، وبالتالي يستحق أولوية التغطية.
المصلحة الإسرائيلية المباشرة
داخليًا: يعزز الاصطفاف حول الحكومة الإسرائيلية المتأزمة سياسيًا، ويعيد توجيه التركيز الشعبي والإعلامي من إخفاقات العدوان على غزة إلى "العدو الخارجي الأكبر". خارجيًا: يعطي إسرائيل مبررًا لإعادة فرض نفسها على الساحة الإقليمية والدولية كطرف لا غنى عنه في "الاستقرار الإقليمي"، ما قد يخفف الضغوط الدولية المتزايدة بسبب ما يجري في غزة.
الطبيعة المركّبة للمواجهة مع إيران
رغم أن التحليل أعلاه يوحي بأن المواجهة قد تكون مفيدة لصرف الانتباه عن غزة، فإن العلاقة بين إسرائيل وإيران ليست جديدة ولا مصطنعة، بل قائمة على عداء استراتيجي طويل الأمد. وعليه، فإن هذا التصعيد ليس بالضرورة "مسرحيًا" بالكامل أو مفتعلًا فقط لصرف الأنظار، ولكنه قد يُوظف تكتيكيًا لتحقيق هذه الغاية.
من غزة إلى إيران: وحدة الجبهات أو تقسيمها؟
في نظر بعض القوى الإقليمية، من ضمنها إيران ووكلاؤها، فإن الربط بين غزة وبقية ساحات المواجهة هو تكتيك مدروس ضمن ما يسمى "وحدة الساحات". في المقابل، ترى إسرائيل أن تشتيت الجبهات وتكثيف الضغط على إيران قد يؤدي إلى تفكيك هذا الربط وفرض عزلة على حماس وغيرها من الفصائل. ولكن الخطر الأكبر هو أن تغطية المواجهة مع إيران، سواء كانت مباشرة أو عبر الوكلاء، تحجب مأساة غزة عن الرأي العام الدولي، وتجعلها "قضية هامشية" في الإعلام العالمي، رغم أن أعداد الشهداء والضحايا تتضاعف بشكل يومي.
ليس الهدف الوحيد من التصعيد الإسرائيلي الإيراني هو صرف الانتباه عن غزة، لكن هذا التصعيد يُستثمر بفعالية من قبل تل أبيب لتحويل الرأي العام الدولي بعيدًا عن المجازر في القطاع، وإعادة تعريف أولويات الأجندة الإقليمية والدولية. ما يجري في غزة هو جريمة مستمرة لا يجب أن تُنسى وسط صخب المعارك الإقليمية. وكل من يناصر العدالة والكرامة الإنسانية عليه أن يُبقي هذه الكارثة في الواجهة، مهما حاولت القوى الكبرى تهميشها تحت عناوين صراعات أوسع.
بقلم المهندس سعيد المصري