crossorigin="anonymous">

وقفة أمام السفارة المصرية في تل أبيب: دعم مزعوم لغزة يخدم الرواية الإسرائيلية

مشاركة

مؤاب - كتب محرر الشؤون السياسية
في الوقت الذي يتعرض فيه قطاع غزة لعدوان إسرائيلي متواصل، ويتفاقم الوضع الإنساني إلى حدود الكارثة، برز مشهدٌ لافت وغريب تمثّل في وقفة احتجاجية نُظمت أمام السفارة المصرية في تل أبيب، قادها كمال الخطيب، القيادي في الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر، تحت شعار "فك الحصار عن غزة". لكن المفارقة، أن هذه الوقفة لم تكن في وجه الاحتلال، بل في قلب عاصمته، وبموافقة رسمية من وزارة داخليته، ما يثير علامات استفهام كبرى حول أهدافها الحقيقية، وتوقيتها، ومآلاتها.

مظلة احتجاج... إسرائيلية!
الوقفة التي نظّمها الخطيب حصلت على تصريح رسمي من وزارة الداخلية الإسرائيلية، وهي الجهة التي لا تمنح مثل هذه التراخيص إلا إذا رأت فيها مصلحة مباشرة أو غير مباشرة للأمن القومي الإسرائيلي أو للرواية السياسية التي تسعى الحكومة لتصديرها.

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل كانت هذه الوقفة فعلًا لنصرة غزة؟ أم أنها جاءت لتبييض وجه الاحتلال، وصرف الأنظار عن مسؤوليته القانونية والسياسية والإنسانية عن جرائم الإبادة والتجويع والتدمير المنهجي في القطاع؟

اتهام العرب وتبرئة الاحتلال
كمال الخطيب، الذي لم يتردد في اتهام مصر بحصار غزة، تجاهل – بشكل مريب – الدور الأساسي للاحتلال الإسرائيلي في إغلاق المعابر، وقصف الشاحنات، ومنع دخول المساعدات، وعرقلة تنقل المرضى، وتجويع السكان. ما قاله الخطيب يتقاطع بشكل مباشر مع ما تسعى إسرائيل لترويجه: تحميل العرب، وتحديدًا مصر، مسؤولية الكارثة الإنسانية، في محاولة للظهور بمظهر "المحاصر المحايد" بدلًا من كونه الجلاد الفعلي.

إن تحويل البوصلة من الاحتلال كجذر للمأساة، إلى مصر كمتهم، يخدم إسرائيل على المستويين السياسي والإعلامي، ويساهم في شرعنة روايتها أمام الرأي العام الغربي والعربي على حد سواء.

دور مصر والأردن في دعم غزة... حقائق لا تُنكر
بينما كانت الوقفة في تل أبيب تُحرّض ضد مصر، وتحمّلها زورًا مسؤولية حصار غزة، تتجاهل أصوات كهذه حقيقة دامغة: أن مصر والأردن كانتا ولا تزالان في طليعة الدول العربية الداعمة للشعب الفلسطيني، سياسيًا وإنسانيًا.

فقد فتحت مصر معبر رفح البري في أصعب الظروف، واستقبلت عشرات آلاف الجرحى والمرضى، وساهمت في إدخال المساعدات الإغاثية والوقود إلى القطاع، وسط تنسيق دائم مع المنظمات الدولية. كما قادت القاهرة جهود التهدئة ووقف إطلاق النار في أكثر من جولة تصعيد، واضعة استقرار غزة وسلامة سكانها على رأس أولوياتها، رغم الكلفة الأمنية والسياسية.

أما الأردن، فقد حرص على إيصال المساعدات الطبية والإنسانية عبر جسر جوي وعبر قوافل برية منسقة مع الجهات الفلسطينية والدولية. كما حافظ على وجود مستشفى ميداني داخل القطاع، يعمل في ظل القصف وتحت الحصار، ويقدّم خدماته الطبية لأهل غزة دون توقف.

إن استهداف هاتين الدولتين في سياق كهذا، يُعد قلبًا للوقائع، وتطاولًا على من يقفون فعليًا إلى جانب الفلسطينيين، لا من يزايدون بالشعارات الفارغة في الميادين التي يُشرف عليها الاحتلال.

وقفة تُخدم الاحتلال أم فلسطين؟
إن تنظيم وقفة أمام السفارة المصرية في تل أبيب، في ظل استمرار المجازر في غزة، لا يبدو أنه محاولة للدفاع عن أهل القطاع بقدر ما هو هجوم سياسي مدروس على أطراف عربية، تسعى، رغم التعقيدات، إلى لعب دور في وقف إطلاق النار، أو إيصال المساعدات.

بل الأخطر، أن هذه الوقفة جاءت في وقت تسعى فيه إسرائيل إلى إبعاد الأنظار عن تقارير حقوقية دولية، من الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية، توثق جرائم حرب وإبادة جماعية ترتكبها تل أبيب بحق المدنيين الفلسطينيين، وبينهم آلاف الأطفال والنساء.

الوجه الآخر للاحتلال
ما فعله كمال الخطيب ليس موقفًا فرديًا معزولًا، بل هو نموذج لما يمكن تسميته بـ"الاحتلال الناعم"، حين يتحول بعض الشخصيات، بوعي أو دون وعي، إلى أدوات تخدم البروباغندا الإسرائيلية، وتُشتّت التركيز عن جرائم الاحتلال.

الخطير في الأمر، أن هذه الوقفة جاءت بتنسيق وتصريح قانوني من قلب تل أبيب، ما يجعلها أقرب إلى غطاء سياسي وإنساني يُستخدم لتبرئة المحتل، وليس لإدانته.

ختامًا
في زمن اختلطت فيه الشعارات بالمصالح، تبقى البوصلة الأخلاقية واضحة: من يريد دعم غزة، يجب أن يواجه الاحتلال، لا أن يتظاهر بتصاريحه. الوقفات التي تُنظم ضد دول عربية من داخل دولة الاحتلال، لا يمكن أن تكون فعلًا نضاليًا، بل هي جزء من أدوات التضليل والتشويه.
فغزة لا تحتاج إلى مزايدات سياسية، بل إلى من يقف بصدق في وجه آلة القتل، لا من يقدّم لها غطاءً تحت لافتة "الاحتجاج".

الكلمات المفتاحية