مؤاب - في الخامس عشر من أيار، يوم يستفيق فيه ضمير الأمة على جرح غائر لم يندمل منذ ثمانية وثمانين عاماً، يوم النكبة الفلسطينية الكبرى، تتلاقى فصول المأساة في مشهد عبثي مؤلم. فبينما نستحضر صور الاقتلاع والتهجير القسري تنزف غزة اليوم دماً وقهراً، لتعلن للعالم أن مسلسل الذبح المستمر لم يتوقف، وأن الجلاد ذاته يرتدي أقنعة مختلفة.
في قلب القدس الشريف، حيث يرقد ثلة من الأبطال، من بينهم جدي الشهيد عبد الله سليمان الطراونة، الذين ارتوت الأرض بدمائهم الزكية دفاعاً عن عروبة هذه البقعة المقدسة، تقف قبورهم ليست مجرد شواهد صامتة على رحيل أجساد، بل هي صرخات مدوية تنطلق من أعماق التاريخ. إنها شهادات حية على تضحيات أجيال سبقتنا، وأمانة ثقيلة تُلقى على عاتقنا في هذا الزمن الرديء.
إن ما يرتكب في غزة اليوم ليس مجرد نزاع مسلح، بل هو فصل دامٍ جديد في رواية النكبة المستمرة، سعي محموم لإبادة شعب وتصفية قضية عادلة. الحصار الخانق الذي يكتم الأنفاس، والقصف الهمجي الذي يحيل المدن إلى أشباح، والتدمير الممنهج لكل مقومات الحياة، هي جرائم حرب مكتملة الأركان، تُرتكب بدم بارد أمام أعين عالم يتفرج بتخاذل مخزٍ.
في هذا السياق، لا يمكننا أن نغفل عن الدور المحوري الذي يضطلع به جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، صاحب الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف. ففي ظل هذا العبث الدولي، يظل صوت الأردن عالياً، مدافعاً عن القدس ومقدساتها، ومؤكداً على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس . إن جهود جلالته الدبلوماسية والإنسانية، في دعم صمود أهل القدس وغزة، هي شهادة حية على التزام الأردن الثابت بالقضية الفلسطينية.
من أرض الأردن الأبية، التي تحتضن في ثراها وجعاً مشتركاً وأملاً راسخاً، وأنا أتأمل قبور أجدادنا الشامخة في القدس، أرفع صوتاً مدوياً يمزق سكون الصمت الدولي: إلى متى سيستمر هذا العبث بدماء الأبرياء؟ إلى متى ستظل غزة تنزف وتستغيث دون مجيب؟ إن قبور أجدادنا في القدس تشهد على فظاعة الجرم، ودماء أطفال غزة تستصرخ الضمائر الحية التي لم تمت بعد.
إن مسؤوليتنا التاريخية والإنسانية، كعرب ومسلمين وأحرار العالم، تقتضي منا أن نجعل من ذكرى النكبة وقوداً لثورة الحق، وأن ننتفض في وجه هذا الظلم المستشري. إن قبور أجدادنا في القدس هي بوصلتنا التي لا تخطئ، ودماء أطفال غزة هي لعنتنا الأبدية على كل متخاذل وصامت. لن ننسى نكبتنا، ولن نخذل غزة، وسنظل نحمل أمانة فلسطين جيلاً بعد جيل، حتى يتحقق العدل وتعود الأرض إلى أهلها، وتنتصر إرادة الحياة على جلاديها.