crossorigin="anonymous">

الأردن بين مجتمع المعرفة والبطالة: نحو استراتيجية وطنية لتأهيل الخريجين

مشاركة

مؤاب - 

في كل صيف، يتكرر المشهد ذاته في الأردن، أفواج من الخريجين تتزين بالأثواب السوداء، وابتسامات ذويهم تفيض بالفخر والفرح، وكأن أبواب المستقبل قد انفتحت على مصراعيها، لكن ما إن تمر أيام قليلة، حتى تنقلب هذه الفرحة إلى قلق، وهذا الحلم إلى كابوس، إذ يكتشف آلاف الشباب أنهم على وشك الانضمام إلى الطوابير الطويلة للعاطلين عن العمل، ومنذ عقود يرفع الأردن شعار مجتمع المعرفة ويتغنى بخطاب التنمية، لكن الواقع يكشف أن آلاف الشهادات الجامعية تسقط كل عام في فراغ البطالة، وأن الجامعات بدل أن تكون مصانع نهضة، تحولت إلى خطوط إنتاج لجيش من الطاقات المهدورة.
ومع استمرار عجز مؤسسات الدولة عن تعيين موظفين جدد، وغياب القدرة المالية لسد الشواغر، وفي ظل المنافسة العالمية في استقطاب الاستثمار الأجنبي، تتسع الفجوة بين الأجيال الصاعدة وفرص العمل، ويقف الشاب الأردني على عتبة الحياة العملية مكبّل اليدين، محرومًا من الخبرة التي يطلبها السوق، ومسلوب الثقة في وعود الإصلاح.
لكن، ماذا لو تحوّل هذا التناقض القاسي إلى فرصة استراتيجية؟ ماذا لو أعادت الدولة تعريف دورها من مجرّد مانح للوظيفة إلى صانع جسور بين المعرفة والعمل؟
ولعلنا هنا نحتاج إلى نهج جديد في الفكر، فماذا لو تتبنّى الحكومة برنامجا وطنيا يستوعب 20 ألف خريج سنويًا بميزانية لا تتجاوز 70 مليون دينار سنويا، وتعمل على توظيفهم في مؤسسات الدولة بعقود تأهيل مدفوعة بالحد الأدنى للأجور ومحددة بمدة ثلاث سنوات غير ملزمة بالتعيين الرسمي، فإن ذلك يمكن أن يحقق معادلة ذكية: سد النقص الوظيفي المزمن في أجهزة الدولة، وإكساب الخريجين خبرة عملية حقيقية، وتهيئتهم ليكونوا طاقات بشرية مُدرّبة قابلة للتصدير إلى الأسواق الإقليمية والدولية.
ولا بد من الإشارة إلى أن هذه ليست مجرد سياسة تشغيل، بل إعادة هندسة للعلاقة بين الدولة ومواطنيها، تقوم على تحويل فائض البطالة إلى رصيد استراتيجي، وتحويل الشاب من متفرج مُحبَط إلى فاعل يملك الخبرة ويبني مستقبله بيده، وفي جوهرها رسالة إنسانية وثقافية بأن الكرامة تُصان بالعمل، حتى لو كان مؤقتًا، وأن الدولة القوية هي التي تحمي شبابها من السقوط في هاوية الإحباط واليأس.

وعلى المدى الأعمق، فإن مشروعًا كهذا يتجاوز كونه حلًا لأزمة البطالة، ليصبح أداة لبناء القوة الناعمة للأردن، حيث تتحول الكفاءات المؤهلة إلى سفراء اقتصاديين ومعرفيين للوطن، يفتحون له أبواب التعاون والاحترام على الساحة الدولية، حينها ننتقل من دائرة الشعارات المكرورة إلى مساحة الفعل الحقيقي، ومن اقتصاد الانتظار العقيم إلى اقتصاد المبادرة الخلّاقة.
فالخيار واضح: إما أن نستمر في إنتاج الخيبة، أو نمتلك شجاعة كافية لنصنع مستقبلًا جديدًا، يُحوّل البطالة من لعنة ثقيلة إلى فرصة وطنية تبني الأردن الذي نحلم به، فلنمنح شبابنا القدرة على أن يكونوا فاعلين في وطنهم قبل أن يذهبوا إلى الخارج، ولنجعل الدولة صانعة للفرص لا مجرد مرآة للانتظار.

 


النائب الدكتور شاهر شطناوي
رئيس لجنة الصحة والغذاء النيابية

الكلمات المفتاحية