د. أسامة أبو الرب
«في حينا بقالة كثيرا ما اشتري منه ما يلزمني من حاجيات، وفي كل مرة لا ينفك صاحبها عن الشكوى من ارتفاع المصاريف وازدياد الضرائب وتراجع القدرة الشرائية. صاحبنا هذا لديه 3 سيارات، إحداها موديل هذه السنة. وهو يوسع حاليا بقالته واستأجر مخزنا في نهاية الشارع».هذه القصة نشاهدها كل يوم، فالجميع يشكو، ولكنك تنزل إلى الشارع فلا تستطيع الوصول إلى أي مكان تريده في عمان دون المرور بأزمة تمتد لساعة أو أكثر نتيجة زحام السيارات. ولا تخبروني أنها سيارات إخوتنا المغتربين في الخارج، إذ قلما تجد سيارة بنمرة غير أردنية.أظن أن ظاهرة الشكوى هي حالة تميزنا نحن الأردنيين عن بقية الشعوب العربية، ولا أدري ما السبب، وهو أمر يتطلب البحث والتحليل من علماء الاجتماع في جامعاتنا.الشكوى هي سلوك معروف في علم النفس، وله دوافع، مثل شعور الشخص بالاكتئاب، أو النقص، أو التهديد. وهو قد يكون مفيدا إذا كان يحقق نتائج إيجابية، فأنت مثلا تشكو من عدم حصولك على خدمة معينة وبمستوى جيد، مما يقود إلى استجابة مزود الخدمة وتقديمها لك.أما الشكوى المستمرة التي تترافق مع تحقيق أهداف الشخص وتطوره فهي سلوك سلبي، يؤذي الشخص نفسه الذي يعميه عن وضعه الجيد وما يعيشه من بحبوحة أو نجاح مالي واجتماعي، وسلوك مؤذي يشيع حالة عدائية بين أفراد المجتمع.في موروثنا الثقافي يوجد الخوف من العين والحسد، وهذا يدفع الناس لإخفاء ما لديهم من مال مثلا خوفا من عين الحاسد. ولكن هناك فرق بين عدم التحدث عما لديك من نٍعم خوف الحسد، وبين التحدث -زورا وبهتانا- أنك تعيش في ديون ومشاكل حتى «تردّ العين» عنك.حتى تدوم النعم التي نعيشها كأردنيين من أمن وأمان وبحبوحة ورزق، فيجب علينا أن نشكرها وأنت لا نكفرها، وهذا يكون أولا بالتوقف عن الشكوى في غير موضعها، وثانيا بالحديث عنها. فرزق الله واسع، وبركته تغمرنا. وبالشكر تدوم النعم.