د. أسامة أبو الرب
زرت اليوم دكتوري، أو كما أحب أن أطلق عليه أيضا "حكيمي"، فالحكمة أهم من "الدكترة"، ولقب دكتور قد يشمل غير العاملين في الطب، والأدق هو طبيب، وربما يكون أفضل أن اناديه طبيبي، ولكن هذا يعني أن العلاج الشافي دائما لديه، وهو أمر بعيد عن الحقيقة في كثير من الأحيان.
انتظرت في صالة العيادة، كان أمامي مريضان، او أنهما زائر ومريض واحد، فالأول كان بصحة جيدة، ولم يبدو عليه التعب، فربما أنه أحد أقارب الدكتور، اخوه أو ابن عمه، ومر عليه ليستدين بعض المال!
عندما جاء دوري دخلت لغرفة الطبيب، وبادرني دكتوري مصافحا "كيف حالك"، لأجيبه "لست بخير، وإلا لما زرتك!".
في فترة 2005 وما بعدها كانت هناك طفرة في المسلسلات الأجنبية التي يكون أبطالها أطباء، وكنت أشاهد أن الطبيب يسأل المريض عن عمره.
دكتوري لم يسألني عن عمري، لأنه يعرفه، فقبل 3 سنوات عندما زرته أول مرة عبئت ورقة وكتبت فيها تاريخ ميلادي، ووقعت على إخلاء مسؤولية، وانني أعفي الطبيب من أي أخطاء طبية أو مضاعفات نتيجة العلاج!
في المقابل أنا لم أسأل دكتوري عن عمره، لأنني لا اريد أن أعرفه! فإن كان أصغر مني أو أكبر فسوف أبحث عن سيارته وأنا خارج من العيادة، لأعرف هل هي احدث أو اقدم من سيارتي، وعندها سأدخل في مقارنات حولهل هو انجح مني وانجز في عمره ما لم انجزه.
سألني ما المشكلة، فأجبته بأنني منذ شهر لم أعد أستطيع الرد على الموبايل بالسماعة الداخلية، وأصبحت افتح السماعة الخارجية، سواء كنت لوحدي أو في جماعة.
حاولت عدة مرات ان أتكلم على السماعة الداخلية، ولكن أذني كأن بها كهرباء عندما تلمس سماعة الموبايل. وأظن أنها مصابة بحساسية، فأردت أن أعرف الحل، هل تعطيني قطرة تعالج الأذن؟ أم أن المشكلة في موبايلي؟ فربما أن تطاول الزمن عليه جعل سطحه خشنا ومليئا بالجراثيم، ولذلك يجب أن أغير غطاء "cover”" الموبايل فقط، وليس الموبايل نفسه!
ابتسم دكتوري وقال "إذن لقد أتممت الأربعين عاما قبل شهر.. كل عام وأنت بخير".
واستغربت.. "كيف عرفت يا دكتور؟"
فاعتدل دكتوري في جلسته وقال "ما تعانيه هو حالة معروفة باسم متلازمة السماعة الخارجية، وهي تصيب من بلغ الأربعين، وهي ليس لها علاقة بالأذن أو نوع الهاتف أو عمره".
-اذن ما سببها؟ سألته.
قال دكتوري "عندما تبلغ الأربعين لا يعود لديك شيء لتخفيه، كل الأحاديث لا تهمك حتى لو سمعتها الحارة كلها. كما أن لا شيء يقلقك بعد اليوم، قد يكلمك مديرك القميء صارخا في وجهك، لتصرخ أنت في وجهه أيضا، وليسمع الجميع ذلك! أو قد يكلمك قريبك الذي استلف منك 100 دينار ولم يسدها، طالبا المزيد. ولكنك لن تهتم، وستجيب اتصاله وربما تعطيه المزيد، ولن تخاف أن تتهمك زوجتك بأنك أهبل وأقاربك يستغلونك".
كل من بلغ الأربعين يعاني متلازمة السماعة الخارجية؟
قال دكتوري: الغالبية نعم، هناك استثناءات، مثل أن تكون مستثمرا كبيرا في البورصة، وهناك مكالمات تصلك من أشخاص متنفذين يعلمونك متى تبيع وتشتري، ولا تريد أن يسمع هذه المعلومات غيرك حتى تربح وحدك ويخسر الآخرون. أيضا لن تصاب بمتلازمة السماعة الخارجية إذا كنت قد تزوجت الزوجة الثانية حديثا.
-وما العلاج؟
قال دكتوري: لا يوجد أي علاج، إنها حالة مزمنة إذا اصابتك. الحل الوحيد هو أن تستثمر في البورصة أو أن تتزوج الثانية، انصحك بالخيار الأول، ففي البورصة قد تخسر مالك، أما مع الزواج الثاني فقد تخسر عمرك!
أدرت ظهري وتحركت إلى باب الغرفة مغادرا، وعندها رنّ موبايل الدكتور، فأسرعت الخطو، إذ لا أريد أن أعرف هل سيجيب المكالمة على السماعة الخارجية او الداخلية، فكما أخبرتكم في البداية أنا لا اريد أن أعرف عمره!