مؤاب - مع قرب اجتماع لجنة شؤون العمل الثلاثية الأسبوع المقبل، لمناقشة الزيادة المقترحة على الحد الأدنى للأجور، شدد خبراء على أهمية التوصل إلى قرار يحقق العدالة الاجتماعية والاقتصادية، ويخفف من حدة الفقر.
وفي وقت تكشف النقاشات حول الحد الأدنى للأجور، مراوحتها مكانها وفق تسعيرة تتكرر في كل مرة تناقشها الجهات المعنية، لتصب في خانة زيادة بين الـ20 دينارا و40 دينارا، لكن التعليقات التي ترد حول هذه النقاشات لا تأخذ بالاعتبار الأوضاع المعيشية للعاملين وارتفاع الأسعار الكبير جدا، وضعف الحماية الاجتماعية والصحية لهم.
وأكدوا أن قرار الحكومة يجب ألا يربط قيمة رفع الحد الأدنى بنسبة التضخم فقط، كون الزيادة هنا ستكون طفيفة، بعيدة عن تلبية البسيط من متطلبات الحياة، في ظل زيادة الأكلاف والأسعار المتصاعدة.
نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال خالد أبو مرجوب، أكد أن قيمة الحد الأدنى يجب أن تُحدد بناءً على معايير تراعي التوازن بين احتياجات العامل الاقتصادية وظروف أصحاب العمل، مشددا على أن الحد الأدنى الحالي وقدره 260 ديناراً غير كاف لتلبية متطلبات العيش الكريم، بخاصة مع الارتفاع الكبير في معدلات التضخم وزيادة خط الفقر ليغدو تجاوزه بحاجة لأكثر من 600 دينار.
وأشار أبو مرجوب، إلى أن توصيات ربط الحد الأدنى بمعدلات التضخم، التي طرحت في العام 2021، لم تُطبق برغم أهميتها في حماية القدرة الشرائية للعاملين، مضيفا إن "المطالبات بجعل الحد الأدنى 280 ديناراً لا تفي حق العامل بالعيش الكريم، بخاصة أن هذا الرقم فقد فعلياً 10 % من قيمته بسبب التضخم".
وأوضح أن التوصيات الدولية تنص على أن الحد الأدنى يجب أن يساوي 60 % من متوسط الأجور، الذي يبلغ في الأردن 570 ديناراً، ما يعني أن التقديرات تفصح عن أن القيمة للحد الأدنى وفق هذا التصور هي 340 ديناراً، ومع ذلك، رأى أن رفعه لـ300 دينار حل وسط قد يلبي احتياجات العمال دون تحميل أصحاب العمل عبئاً كبيراً.
وحول موقف أصحاب العمل، قال أبو مرجوب إن "أصحاب العمل يطالبون برفع الحد الأدنى لـ280 ديناراً على الأكثر، بحجة أن رفعه لـ300 دينار، قد يخلق فجوة وظيفية بين العمال الجدد وذوي الخبرة، لكننا نرى بأن رفعه لهذا الرقم ضرورة لضمان حياة كريمة للعمال، مع إمكانية إيجاد حلول مرحلية لتجنب أي إشكاليات بين العمال القدامى والجدد".
وأكد أبو مرجوب، أن لجنة شؤون العمل الثلاثية ستعقد اجتماعاً الأسبوع المقبل لمناقشة الزيادة المقترحة، متوقعا بأن يكون للحكومة الكلمة الفصل بتحديد القيمة النهائية، مشدداً على أهمية التوصل إلى قرار يحقق العدالة الاجتماعية والاقتصادية، ويخفف من حدة الفقر التي وصلت، بحسب إحصاءات الحكومة والبنك الدولي، إلى مستويات غير مسبوقة.
من جانبه، قال مدير المركز الأردني لحقوق العمل "بيت العمال" حماده أبو نجمة، إنه "لا يجوز الاعتماد فقط على معدلات التضخم لتحديد الحد الأدنى للأجور، إذ إن المادة 52 من قانون العمل تشترط احتسابه بناءً على مؤشرات تكاليف المعيشة، فالتضخم يعكس زيادة الأسعار العامة، لكن كلف المعيشة تتضمن متطلبات الحياة الأساسية كالغذاء والمسكن والتعليم، التي تجاوزت معدلات التضخم بشكل كبير".
وبين أبو نجمة، أن "تكلفة المعيشة للفرد الواحد دون الإيجار تصل لـ350 ديناراً شهرياً، بينما إيجار شقة صغيرة يتراوح بين 200 و300 دينار، والحد الأدنى الحالي وقدره 260 ديناراً كما أن الزيادة المقترحة لـ281 ديناراً، لا تفي بهذه الاحتياجات الأساسية".
وأكد أن الحد الأدنى الحالي تحدد في جائحة كورونا وكان مؤقتاً، مع وعد بمراجعته لاحقاً، لكن هذا لم يحدث للآن، ما يجعل البناء عليه غير منطقي أو عادل، مبينا أنه "وفق التجارب الدولية، فينبغي أن يكون الحد الأدنى بين 50 الى 60 % من متوسط الأجر العام، والذي بلغ 627 ديناراً العام الماضي، بناءً على ذلك، فالحد الأدنى العادل يجب أن يتراوح بين 313 و376 ديناراً".
ورأى أن رفع الحد الأدنى لـ300 دينار، كما يطالب الاتحاد العام لنقابات العمال، لن يؤدي إلى أعباء كبيرة على الاقتصاد، فالزيادة في تكاليف الإنتاج لن تتجاوز الـ1.5 %، ما يعزز القوة الشرائية للعمال ويحفز النشاط الاقتصادي.
وطالب أبو نجمة اللجنة الثلاثية والجهات المختصة، باعتماد سياسات تحقق العدالة الاقتصادية والاجتماعية، تضمن حياة كريمة للعمال، وتوازن بين حقوقهم ومتطلبات الاقتصاد الوطني.
بدوره يرى مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية أحمد عوض، أن الحد الأدنى للأجور في الأردن بعيد عن العدالة، ويجب رفعه لضمان حياة كريمة وأن الحد الأدن الحالي أو الزيادة المقترحة بمقدار 21 ديناراً، لا تقترب من الحد الأدنى للأجر العادل في الأردن.
وقال عوض إن "الحد الأدنى يجب أن يكون عادلاً بما يكفي لضمان حياة كريمة للعاملين الجدد ذوي المهارات المحدودة"، مضيفا أن فلسفة هذا الأجر تقوم على تأمين متطلبات أساسية كالصحة والتعليم والغذاء والسكن والمواصلات، وهو ما لا يتحقق في الحد الأدنى الحالي.
وأضاف عوض "بحساباتنا المستندة إلى أرقام السنوات السبع الماضية، نجد أن خط الفقر للفرد شهرياً كان 100 دينار، وبالنظر إلى الأسرة المعيارية المكونة من 5 أفراد، فإن الدخل اللازم لتغطية احتياجاتها، يبلغ 500 دينار شهرياً. لذا، فالحد الأدنى الحالي لا يعكس مستوى الأجر العادل الذي تحتاجه الأسر".
وأكد عوض أن ميزان القوى في الأردن يميل لصالح أصحاب الأعمال، ما يبعدنا عن تحقيق عدالة اجتماعية حقيقية، كما ان الحكومة هي المسؤولة عن تعديل هذا الميزان عبر تفاهمات مع النقابات ومنظمات العمال وأصحاب الأعمال، لتضع حداً أدنى عادلاً يتماشى مع فكرة الحد الأدنى للأجور منذ نشأتها.
وتابع ان "الأجور المنخفضة في الأردن تؤدي لعزوف العديد عن العمل في قطاعات معينة، لعدم كفاية الرواتب لتلبية احتياجاتهم، وهذا يخلق أزمة في سوق العمل يجب على الحكومة معالجتها بجدية".
ودعا عوض الحكومة لأن تتحمل مسؤوليتها وتستخدم أدواتها لتحقيق العدالة الاجتماعية، فالقرار النهائي يجب أن يكون لها، لضمان مستوى معيشي كريم للعاملين، ولإعادة التوازن إلى سوق العمل، بما يعزز الإنتاجية ويحقق الاستقرار الاجتماعي.