crossorigin="anonymous">

في رحاب الاستقلال: نبضُ المجد من بصيرا إلى عمّان...بقلم أشرف السعودي

مشاركة

مؤاب - في حضرة الخامس والعشرين من أيار، تنتفض الروح شموخًا، وتنتعش الذاكرة بأريج الكفاح، إذ يشعّ فجر الاستقلال الأردني كقنديلٍ وُقد من زيت البطولة، تتوارثه الأجيال كما تتوارث القبائل سيف الجد ووصية الدم. إنه الموعد الذي ينهض فيه الوطن من قلب التاريخ، ويُعلن للعالم أن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع بدمٍ مقدسٍ، وعزمٍ لا ينثني.

أُبارككِ يا أردن، وأنتِ تمشين على صفحة الزمن بعنفوان الممالك، وكرامة الأحرار، ووقار الرسالة. أُبارككِ وأنا ابنُ بصيرا، تلك البلدة التي اختزنت في صخورها سرّ الأدوميين، واحتفظت في ترابها بنداءِ الملكِ الذي لا ينام. بصيرا... حيث نُسجت الخيوط الأولى للسيادة، وتفتّحت براعم الصلابة في وجه الغزاة، وكانت الجبال حناجر تهتف للكرامة قبل أن تعرف الشعوب معنى الاستقلال.

وفي بصيرا، حيث تتكئ الجبال على ذاكرة الكون، لا تُروى الحكاية فقط بممالك الأدوميين ولا بصهيل السيوف، بل هناك، في حضنها الهادئ، يرقد الحارث بن عمير الأزدي، رسولُ رسولِ الله، شهيدُ الكلمة ومبعوثُ النبوّة، الذي اختُصر فيه معنى البلاغ وامتزجت فيه الرسالة بالتضحية. كيف لا تفخر بصيرا، وقد وُسدت في ترابها أوّلُ سفيرٍ للنبوّة، فصارت بدمه مقامًا خالدًا وسِجلًا مفتوحًا على الدهر، يخبر كل من مرّ بها أن الأردن لم يكن يومًا خارج التاريخ، بل كان نُقطة الضوء فيه.

أيها الوطن... يا مهوى الفؤاد، ويا خميرة المجد، ويا قصيدة الخلود التي سطّرها الحسينُ في سجلات الدهر، وزيّنها عبدالله الثاني بحكمة المُلك وصرامة القرار، نُجدّد لكَ العهد على أن نكون لكَ جُندًا وسِياجًا، ما حيينا وما امتدّ النبض في شراييننا. إن استقلالك لا يُكتب بالحبر، بل يُنقش على جدران القلب، وتُنقّط سطوره بدماء الشهداء.

وما الراية التي نرفعها اليوم إلا ظلٌّ لتاريخٍ باسق، تجلّت فيه حنكة الملوك، وصبر الرجال، وعرق الفلاحين، ونخوة البسطاء. هي ليست قماشًا يُرفرف، بل قصة وطنٍ لم يركع، ونشيد أمةٍ لا تزال تصوغ مستقبلها بأصابع المجد، وبعيون لا تغفو عن العهد ولا تنكسر في وجه الريح.

وفي الجنوب الأشمّ، حيث تنام بصيرا على وسادة الجبال، وتتنفّس من رئة التاريخ، هناك تُخضّرُ الذاكرة كلما مرّ يومُ الاستقلال. من هناك، من قلب الصخور الحمراء، تهتف القلوب: "نم قرير العين يا أردن، فنحن حرّاسُ مجدك، ورواةُ سيرتك، وأحفادُ مَن صنعوك وطنًا لا يُكسر، ولا يلين، ولا يميل".

عاش الأردن حرًّا أبيًّا، وعاشت القيادة الهاشمية، حاملةً لواء العدل، ومنارة العروبة، وسراجَ المجد في زمنٍ تاهت فيه البوصلة.

 

الكلمات المفتاحية