مؤاب - القصة السادسة - في حيّ هادئ تحيطه الأشجار، كانت الحياة تسير بنمطها المعتاد. جيران يعرفون بعضهم بالاسم، ومنازل متقاربة تتشارك أصوات ضحكات الأطفال وروائح الطعام في المساء. لكن ذلك اليوم، كسر صوتٌ آخر سكون الحي… صوت طلقات نارية حادة، ترددت أصداؤها بين الجدران.
كانت زوجة الضحية قد أنهت للتو جزّ العشب، تدفع الآلة ببطء بينما تتطاير فتات الحشائش. فجأة، تجمّدت في مكانها. لم يكن الصوت الذي سمعته أشبه بأي طرق باب أو صياح عابر، كان أكثر برودة، أكثر ثقلاً… طلقات نارية.
هرولت بخطوات متعثرة نحو الفناء الخلفي، وعيناها تلتقطان المشهد الذي سيلاحقها إلى الأبد: زوجها ممدد على الأرض، الدماء تتسرب ببطء، وعيناه نصف مفتوحتين في صمت. على بعد خطوات، كان جارهم، أوستن، يمشي بخطوات ثابتة ووجه جامد، كأنه ينسحب من مسرح جريمة خطط لها جيداً.
عند وصول الشرطة، بدت ملامح الدهشة على الجميع. لم يكن أوستن مجرماً معروفاً، بل شاب في منتصف العشرينات، يعيش وحيداً، لا يختلط كثيراً. لكن التحقيقات كشفت أن هذا الهدوء الظاهري كان يخفي أفكاراً مهووسة. الزوجة أكدت أنه طرق بابهم أكثر من مرة، يوجه اتهامات غريبة لزوجها، مقتنعاً أنه "ينتمي إلى جماعة سياسية تهدّد البلاد".
"كان يحدق في زوجي وكأنه يراه عدواً في معركة وهمية"، قالت الزوجة وهي تحاول كبح دموعها.
الجريمة، التي جاءت قبل أيام من سباق انتخابي محتدم في البلاد، هزّت الرأي العام. كيف يمكن لوهم سياسي أن يتحوّل إلى رصاصة تزهق روح جارٍ كان حتى الأمس يبادلك التحية عبر السياج؟
بعد ساعات من التحقيق، تم توقيف أوستن بتهمة القتل العمد، مع تحديد كفالة ضخمة، لكن أسئلة كثيرة بقيت بلا إجابة: هل كان الأمر بدافع الكراهية السياسية وحدها، أم أن هناك أسراراً أخرى في ماضي الجاني لم تُكشف بعد؟
هكذا، تحوّل ذلك الحي الهادئ إلى مسرح لجريمة غامضة، يتذكرها السكان كلما مرّوا بالفناء الخلفي، حيث اختلطت رائحة العشب المقطوع بدماء بريئة أُريقت في لحظة جنون.