مؤاب -خاص- في ساعات الصباح الباكر، وقبل أن تمتلئ الشوارع بالحركة، يمكن أن تشاهد أشخاصًا يفتشون في حاويات القمامة، يبحثون بين الأكياس الممزقة عن بقايا خبز، عبوات بلاستيكية، أو معادن قابلة للبيع. مشهد يتكرر في أحياء عدة بالأردن، ليتحول إلى ظاهرة واضحة تثير نقاشًا واسعًا بين من يراها انعكاسًا للأوضاع الاقتصادية الصعبة، ومن يعتبرها وسيلة بديلة للرزق في ظل الظروف المعيشية المتقلبة.
يقول بعض العاملين في هذا المجال إنهم يجمعون مواد قابلة للتدوير وبيعها لمصانع البلاستيك والمعادن مقابل مبالغ بسيطة، بينما يبحث آخرون عن بقايا طعام تصلح للاستهلاك أو العلف. بالنسبة لهؤلاء، فإن القمامة تمثل مصدر دخل وإن كان محدودًا، لكنه أفضل من البقاء بلا عمل.
ويرى خبراء اجتماعيون أن انتشار الظاهرة يرتبط بارتفاع نسب البطالة وغلاء المعيشة، إلى جانب ضعف برامج الحماية الاجتماعية، مما يدفع بعض الفئات المهمشة إلى البحث عن موارد غير تقليدية للبقاء. كما يشير آخرون إلى أن هناك من امتهن جمع المخلفات القابلة لإعادة التدوير كجزء من نشاط اقتصادي غير رسمي يدر دخلًا ثابتًا نسبيًا.
الحكومة الأردنية، من جهتها، تتابع الظاهرة من منظورين: الأول بيئي، حيث تؤكد على أهمية تدوير النفايات وتقليل الملوثات، والثاني اجتماعي، يركز على الحد من الممارسات التي قد تعرض العاملين للخطر الصحي أو تهدد الصورة الجمالية للمدن. وقد أعلنت بلديات ومؤسسات رسمية عن خطط لإنشاء مراكز فرز وتدوير منظمة، وتوفير فرص عمل ضمن إطار قانوني وآمن للراغبين في هذا المجال، بدلًا من البحث العشوائي في الحاويات.
ويرى مواطنون أن المطلوب من الحكومة اليوم يتجاوز المعالجة السطحية للظاهرة، ليشمل توفير شبكات أمان اجتماعي أكثر فاعلية، وتأمين برامج تدريب وتأهيل للفئات الأكثر فقرًا، ودمجهم في سوق العمل بطرق تضمن لهم دخلًا كريمًا، بدل اضطرارهم للبحث في القمامة. كما يطالب آخرون بإطلاق حملات توعية حول إعادة التدوير، وتشجيع الشركات على شراء المخلفات مباشرة من المواطنين ضمن منظومة منظمة وآمنة.
وبينما يستمر الجدل حول الظاهرة، يبقى المشهد حاضرًا في شوارع الأردن، يعكس قصصًا فردية عن الحاجة، الكفاح، وأحيانًا الابتكار في إيجاد مصادر دخل من أماكن غير متوقعة.