في زمن تتعالى فيه أصوات الطامعين وتتكاثر فيه أوهام التوسع، ينهض الأردن شامخًا كقلعة من حجر، ثابتًا في وجه الرياح، راسخًا في أرضه كجذور الزيتون في ترابه الطاهر. إن تصريحات بنيامين نتنياهو عن ما يُسمّى بـ"إسرائيل الكبرى" ليست إلا صفحة جديدة في كتاب الغطرسة السياسية، لكن الأردن الذي وُلد من رحم التاريخ العربي الأصيل، يعرف كيف يمزق هذه الصفحات قبل أن تتسخ بها خرائط المنطقة، فالأردن ليس كيانًا هشًّا يمكن تجاوزه ، بل هو دولة ذات سيادة كاملة واستقلال راسخ، تقوم على شرعية تاريخية وسياسية، ويحكمها آل هاشم، أهل النسب الشريف الذين حملوا رسالة الأمة وحافظوا على بوصلتها نحو القدس والمقدسات. في كل محطة من تاريخنا الحديث، أثبتت القيادة الهاشمية أن الأردن ليس مجرد مساحة جغرافية، بل هو قلب نابض في جسد الأمة، وعقل حكيم في زمن الجنون السياسي، وسور منيع في وجه كل معتدٍ أو متربص.
ومن يظن أن هذه الأرض ستلين تحت أقدام الطامعين، فليعلم أن تضاريس الأردن لن ترحمه؛ جباله المنيعة ستحاصره من كل الجهات، وصخور البتراء الوردية، التي شهدت صلابة الأجداد وقيامهم، ستقف كشاهد على أن هذه الأرض لا تُمنح إلا لأهلها، وأن كل غازٍ سيجد نفسه غريبًا تائهًا بين شعابها. وديان الأردن العميقة ستطمر الغزاة في ظلماتها، وصحراؤه الشاسعة ستبتلعهم كما تبتلع الرمال آثار الخطوات، فلا يبقى لهم فيها مأوى ولا خلاص. هذه الأرض تعرف أبناءها، وتلفظ الغرباء كما تلفظ النار الرماد البارد.
لقد علّمنا التاريخ أن الأردن لا يقاس بمساحته، بل بصلابة رجاله ووفاء نسائه، وبجيش عربي هاشمي هو درع الوطن وسيفه. ذلك الجيش الذي حطم أسطورة التفوق الصهيوني في آذار 1968، في معركة الكرامة الخالدة، حين حاول العدو أن يمد يده إلى ترابنا، فارتدت يداه مثخنة بالهزيمة. يومها، وقف الأردنيون جميعًا، جيشًا وشعبًا، صفًا واحدًا، ولقنوا الغزاة درسًا لا ينسى: أن السيادة لا تُستباح، وأن الكرامة لا تُشترى، وأن الدم الأردني حين يسيل دفاعًا عن الوطن، لا يتوقف حتى يتحقق النصر.
إن الأردن، بما يحمله من إرث حضاري عظيم يمتد من عمق التاريخ النبطي في البتراء، مرورًا بالعهود الإسلامية الزاهرة، وصولًا إلى النهضة العربية الكبرى، ليس مجرد دولة حديثة، بل هو مشروع حضاري متكامل، ووصيّ على إرث الأمة، وركيزة من ركائز الأمن العربي. ولن تسمح قيادته، ولا جيشه، ولا شعبه، بأن يُمس هذا الإرث أو يُنتقص من سيادته.
واليوم، في ظل هذه التحديات الوجودية، نؤكد نحن الاردنيون على توحيد الصف كالبنيان المرصوص، خلف قيادتنا الهاشمية الحكيمة، التي أثبتت عبر التاريخ أنها صمام الأمان وحصن الوطن المنيع. إن التكاتف بين أبناء الوطن، بمختلف أطيافهم ومواقعهم، ليس ترفًا وطنيًا بل واجبًا شرعيًا وأخلاقيًا، لمواجهة أي تهديد يطال سيادتنا أو يمس كرامتنا. وفي هذا السياق، تبرز أهمية تهيئة جيل شبابي واعٍ، مسلح بالعلم والمعرفة والانتماء، وقادر على حمل راية الوطن في ميادين العمل والبناء والدفاع. وتأتي إعادة تفعيل 'خدمة العلم' كخطوة استراتيجية لترسيخ قيم الانضباط، وتعزيز الروح الوطنية، وصقل مهارات الشباب، بحيث يصبحون أكثر جاهزية لحماية الأردن، والدفاع عن أرضه، ومقدساته، وتاريخه العريق. إن الوطن، بتاريخه العميق الممتد من صخور البتراء إلى رمال الصحراء، يستحق منّا أن نصونه بقلوبنا وعقولنا وسواعدنا، وأن نكون صفًا واحدًا في مواجهة كل من يحاول النيل منه.
لقد حان الوقت لإعادة النظر في طريقة تعاملنا مع هذا العدو الأزلي الغاشم، الذي لم يعرف يومًا الخوف من الحق، ولا الاحترام للعهود والقيم، والذي غرس عداءه في جذور التاريخ منذ الأزل. هذا العدو لا يلتزم بأي مواثيق، ولا يحترم الأعراف الإنسانية، وعليه فإن النهج التقليدي لم يعد يكفي. يجب أن يكون نهجنا معه أشد حدة، وأكثر صرامة، ونهجنا الأنفع هو نهج "اطلب الموت تهب لك الحياة"، حيث تصبح كل محاولة للغدر أو العدوان عليه مواجهة مباشرة، وإظهار قوة لا يمكن تجاهلها، وفعل يجعل الحياة بيده خاضعة لإرادتنا وعزمنا. إن الأرض الأردنية لن تُمنح مرة أخرى لأي معتدٍ، وكل خطوة فوق ترابنا الطاهر ستكون درسًا صارمًا للمتربصين بأن الكرامة الأردنية هي أقدس ما نملك، وأن دماء الشهداء لن تُهان.
ووجب علينا خلق ثقافة وطنية تؤكد أن كل الأردنيين، لا بل كل من هو على تراب الاردن هم جيش شعبي، رديف للجيش العربي، مستعدين للدفاع عن الوطن والدوس عن حماه، متوحدين في الصفوف، متلاحمين كالصخر في مواجهة أي عدو. إن بيان نتنياهو الأخير ما هو إلا تهديد سافر للأوطان العربية، يوقظنا من سبات طويل طال أكثر من اللازم، شابه نوم أهل الكهف، ولكنه نوم بلا حماية ولا حراسة. حان الوقت لنستفيق من غفلتنا، ولنعد إلى وحدتنا العربية، إلى عزتنا وكرامتنا كما كانت، متوحدين كما كانت الجبال وسورًا لأجيالنا، متماسكين كما النهر الجاري الذي يجرف أوهام الطامعين، وقادرين على أن نصنع من إرادتنا شعلة تضيء طريق الحرية والسيادة لكل العرب. ومن هنا يتوجب على الاخوة غربي النهر ان يوحدوا الصف لانهم هم الهدف الاول للعدو.
فلتبقى راياتنا خفاقة فوق جبال ارددنا جنوبا وشمالا ، شرقا وغربا، ولتبقى صرخة "الله، الوطن، المليك" هي عهدنا الذي لا يتبدل. وليعلم القاصي والداني أن الأردن ليس ضعيفًا يُساوَم، ولا أرضًا تُستباح، بل هو صخرة تتحطم عليها أمواج الغطرسة، وصحراء تبتلع كل طامع، ووطن لا يعرف الانكسار.
سر يا أباً الحسين، وولي عهدك، ونحن خلفك ومعك، نسير على درب العز والكرامة، نرفع راية الأردن عاليًا، متحدين في الصفوف، صامدين كالجبل، ومستعدين للدفاع عن أرضنا فكل قطرة دم، وكل حجر، وكل وادٍ، وكل رمل، سيشارك في الدفاع عن كرامتنا، ويجعلنا أكثر صلابة أمام الغطرسة والطامعين، فالوطن ليس مجرد أرض، بل هو روح تتجسد في كل قلب ويد وسلاح، في جيش شعبي يعرف واجبه، ويستحضر في كل لحظة درس التاريخ.
فقيادتك الحكيمة تلهمنا الإرادة وتصنع الأمل، وتجعل من وحدة الوطن وسلامة أهله خطًا أحمر لا يمكن المساس به، فهي البوصلة التي توجهنا نحو حماية ترابنا وكرامتنا بكل عزم وإصرار لتكون صفوفنا السد المنيع أمام كل طامع. فوحدتنا خلف قيادتكم العظيمة هي سر قوتنا، وبها نخط بفخر صفحة جديدة من المجد لأردننا الحبيب، ونؤكد أن الولاء والانتماء للوطن هو نبض قلوبنا وعنوان عزتنا الدائم.