حين تتحول المواقف لسلاح موجه للداخل...بقلم زيدون الحديد

مشاركة

مؤاب - في ظل تسارع الأحداث محليا وإقليميا، تتعرض المملكة بين الحين والآخر لموجات من تحريك وشحن الرأي العام عبر إطلاق شرارات مظللة لخلق أزمات من خلال منصات التواصل الاجتماعي وغيرها، والتي ربما تكون مدفوعة أحيانا بمواقف فردية، وأحيانا أخرى بمخططات ممنهجة تهدف إلى ضرب الاستقرار الداخلي، أو التشكيك بالمؤسسات الرسمية، أو إثارة الفتنة والنعرات.

 

الجدل غير الصحي الواسع عبر الفضاء الرقمي، استغل لإعادة إنتاج خطاب الكراهية، والنيل من هيبة الدولة، وتشويه صورة المؤسسات، بل وتوجيه النقاش العام نحو معارك هامشية تبعده عن القضايا الجوهرية التي تمس القضية الفعلية والازلية وهي القضية الفلسطينية.

ما يلفت الانتباه هو الاستخدام المتكرر لخطاب العنصرية والمناطقية والطائفية، بطريقة ذكية ومدروسة، هدفها شق الصفوف الداخلية، وزرع الشك بين مكونات المجتمع الأردني المتماسك، والذي ولا يخفى أن مثل هذه الخطابات غالبا ما تدار من غرف مظلمة، داخلية أو خارجية، تسعى لبث الفوضى عبر العالم الرقمي الذي بات مسرحا مفتوحا لبث الإشاعات، وتوجيه الرأي العام نحو قضايا مفتعلة.

إلا أن شق الصفوف وتحريك النعرات لم تكن وحدها حاضرة في الأيام الماضية بل إن إعادة تدوير الأزمات، كانت هي إيضا لها حصة في تأجيج الشارع وخلق عاصفة جدل كما حدث في مشروع قانون ضريبة الأبنية الجديد الذي لم يكن سوى حلقة في سلسلة من قضايا تصاغ بطريقة فجة لإشعال الرأي العام، مع استحضار ذاكرة إسقاط حكومة الملقي في 2018 على خلفية قانون الضريبة، وكأن هناك من يسعى لتكرار السيناريو ذاته، في توقيت حساس، لتحويل الضغط الاقتصادي إلى احتجاجات غير مدروسة، أو دفع الشارع لتبني مواقف مبنية على ردود الفعل لا على الفهم العميق لطبيعة المرحلة وتعقيداتها.

أما الخطر الأكبر هو أن بعض المؤسسات الرسمية اليوم تشهد حملات خبيثة لاستهدافها بطريقة مباشرة وغير مباشرة، من خلال بث إشاعات وتسريبات هدفها التشكيك بالكفاءة أو النزاهة أو الولاء والوطنية.

وبرأيي الشخصي هنا، ومع كل التحولات ما نمر به، والاستحقاقات السياسية والاقتصادية الصعبة التي نوجهها، أصبح من الضروري جدا إن نعيد النظر في تعزيز الجبهة الداخلية، فنحن بأمس الحاجة اليوم لحوارات وطنية صادقة ومسؤولة، تعيد بناء الثقة بين المواطن والدولة، وتوقف حالة التشكيك والتحريض التي تنتشر بشكل ممنهج عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها.

لهذا، فإنني أؤمن بأن وعي الناس هو خط الدفاع الأول، ويجب أن نعمل جاهدين على رفع مستوى الوعي السياسي والاجتماعي، وتعزيز دور الإعلام المهني الصادق، القادر على تبسيط القضايا وشرحها بمسؤولية، ومواجهتها لا الاكتفاء بمواكبتها، كما أن ضبط منصات التواصل الاجتماعي أصبح أمرا ضروريا، ولكن دون المساس بحرية التعبير، بحيث لا تتحول هذه المنصات إلى بيئة خصبة للإشاعات وبث الفتن.

فالمواجهة ليست أمنية فقط، بل هي معركة وجود، وإذا لم ننتبه اليوم إلى خطورة ما يحدث، فقد ندفع الثمن مضاعفا في المستقبل.

الكلمات المفتاحية